--------------------------------------------------------------------------------
تعريف التقية :
لغة: من اتقيت الشيء وتَقَيته وأتَّقيه تقىً وتَقِيّة وتقاء، حذرته.
اصطلاحاً: عرّفها ابن حجر بقوله: التقية الحذر من إظهار ما في النفس من معتقد وغيره للغير[ فتح الباري12/314 ] .
وقد ورد في معنى التقية آيات قرآنية وأحاديث نبوية فمن الآيات :
قوله تعالى: {لايتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاه ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير} "عن ابن عباس في قوله تعالى: {إلا أن تتقوا منهم تقاة} فالتقية باللسان من حمل على أمر يتكلم به وهو معصية لله فيتكلم به مخافة الناس وقلبه مطمئن بالايمان فان ذلك لا يضره إنما التقية باللسان".[ تفسير ابن أبي حاتم ج2/ص629 ] .
وقال ابن كثير :" أي إلا من خاف في بعض البلدان والأوقات من شرهم، فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته كما قال البخاري، عن أبي الدرداء أنه قال :" إنا لنبشّ في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم"، وقال البخاري قال الحسن : التقية إلى يوم القيامة".[ابن كثير 360-361].
وقال النسفي في معنى الاستثناء:" إلا أن تخافوا من جهتهم أمراً يجب اتقاؤه، أي إلا أن يكون للكافر عليك سلطان فتخافه على نفسك ومالك وحينئذ يجوز لك إظهار الموالاة وإبطال العداوة ".(تفسير النسفي 153/1).
ومنها قوله تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذا عظيم}.قال ابن جرير في سبب نزول هذه الآية :" أخذ المشركون عمراً فعذّبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا، فشكا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم - فقال له : كيف تجد قلبك ؟ قال : مطمئناً بالإيمان، قال صلى الله عليه وسلم فإن عادوا فعد ).(تفسير الطبري 181/
.
وقال ابن كثير : "ولهذا تفق العلماء على أن المكره على الكفر يجوز له أن يوالي، إبقاء لمهجته ، ويجوز له أن يأبى" . [ ابن كثير 1078].
وأما السنة:
(أ) قال النووي : " وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى جَوَاز خِدَاع الْكُفَّار فِي الْحَرْب , وَكَيْف أَمْكَنَ الْخِدَاع إِلَّا أَنْ يَكُون فِيهِ نَقْضُ عَهْد أَوْ أَمَان فَلَا يَحِلّ , وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيث جَوَاز الْكَذِب فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء : أَحَدهَا فِي الْحَرْب " .[ شرح النووي لصحيح مسلم 45/12].
(ب) قال ابن حجر : " وَفِيهِ التَّحْرِيض عَلَى أَخْذ الْحَذَر فِي الْحَرْب , وَالنَّدْب إِلَى خِدَاع الْكُفَّار , وَأنَّ مَنْ لَمْ يَتَيَقَّظ لِذَلِكَ لَمْ يَأْمَن أَنْ يَنْعَكِس الْأَمْر عَلَيْهِ, قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : الْخِدَاع فِي الْحَرْب يَقَع بِالتَّعْرِيضِ وَبِالْكَمِينِ وَنَحْو ذَلِكَ . وَفِي الْحَدِيث الْإِشَارَة إِلَى اِسْتِعْمَال الرَّأْي فِي الْحَرْب : بَلْ الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ آكَد مِنْ الشَّجَاعَة , وَكَذَا وَقَعَ الِاقْتِصَار عَلَى مَا يُشِير إِلَيْهِ بِهَذَا الْحَدِيث , وَهُوَ كَقَوْلِهِ " الْحَجّ عَرَفَة " , قَالَ اِبْن الْمُنِير : مَعْنَى الْحَرْب خَدْعَة أَيْ الْحَرْب الْجَيِّدَة لِصَاحِبِهَا الْكَامِلَة فِي مَقْصُودهَا إِنَّمَا هِيَ الْمُخَادَعَة لَا الْمُوَاجَهَة , وَذَلِكَ لِخَطَرِ الْمُوَاجَهَة وَحُصُول الظَّفَر مَعَ الْمُخَادَعَة بِغَيْرِ خَطَر" .[ فتح الباري 158/6] .
(ج) وقد ترجم البخاري لهذا الحديث بترجمتين ، حيث قال : باب الكذب في الحرب، وباب الفتك بأهل الحرب ، ونقل ابن حجر عن ابن العربي أنه قال :" الْكَذِب فِي الْحَرْب مِنْ الْمُسْتَثْنَى الْجَائِز بِالنَّصِّ رِفْقًا بِالْمُسْلِمِينَ لِحَاجَتِهِمْ" ، ثم قال ابن حجر :" وَيُقَوِّيه مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَابْن حِبَّانَ مِنْ حَدِيث أَنَس فِي قِصَّة الْحَجَّاج اِبْن عِلَاط الَّذِي أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم فِي اِسْتِئْذَانه النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُول عَنْهُ مَا شَاءَ لِمَصْلَحَتِهِ فِي اِسْتِخْلَاص مَاله مِنْ أَهْل مَكَّة وَأَذِنَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِخْبَاره لِأَهْلِ مَكَّة أَنَّ أَهْل خَيْبَر هَزَمُوا الْمُسْلِمِينَ وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَشْهُور فِيهِ". [ فتح الباري 159/6] .
وأشار أهل العلم إلى أن الإجماع في مسألة الإكراه، قال ابن حجر :" قال ابن بطال تبعاً لابن المنذر : أجمعوا على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل فكفر وقلبه مطمئن بالإيمان أن لا يحكم عليه بالكفر ولا تبين منه زوجته".[فتح الباري 314/12] .
يمكن القول بأن التقية عند أهل السنة هي إظهار المسلم لبعض الأقوال والفعال الموافقة لأهل الكفر أو الجارية على سبلهم إذا اضطر المسلم إلى ذلك من أجل اجتناب شرهم، مع ثبات القلب على إنكار موافقتهم وبغضها والسعي لدفع الحاجة إليها . [ انظر فقه الإيمان والعمل الصالح د. العمري 520].
ضوابط التقية عند أهل السنة والجماعة:
الأول: ألا تكون التقية طريقاً للانفلات من ربقة التكاليف الشرعية، فلا يجوز الخروج عن حدود الشرع بحجة التقية.
ثانياً: التقية رخصة لا يلجأ إليها إلا في حال الاضطرار، والأخذ بالعزيمة أفضل. قال ابن حجر: " قال ابن بطال : أجمعوا على أن من أكره على الكفر واختار القتل أنه أعظم أجرا عند الله ممن اختار الرخصة ، وأما غير الكفر فان أكره على أكل الخنزير وشرب الخمر مثلا فالفعل أولى" [ فتح الباري ج12/ص317].
ثالثاً: التقية لحال الضرورة تقدر بقدرها، فإذا اضطر المسلم إلى التقية وجب عليه أن يتقي الكفار بأدنى مايمكن بأدنى ما يمكن مما هو خروج عن حدود الشرع، وهذا لا يتعدى اللسان في كثير من الأحوال.
رابعاً: وجوب السعي للخروج من حكم الاضطرار أو الإكراه الذي أباح للمسلم التقية.
خامساً:التقية عند أهل السنة غالباً ما تكون مع الكفار وفي حال الإكراه والاضطرار.